نوف الموسى (دبي)
أن تكسر التقاليد السينمائية، من خلال أن تلغي (مؤقتاً) مفهوم «مقعد المشاهدة» بحدوده المتزنة والمتوازية، وتجعل المكان فضاءً مفتوحاً يجسد حالة المجلس بميزة جلوس الجمهور على الأرض، احتفاءً بالتأمل الروحي والفكري لشهر رمضان المبارك، إنما هو استدلال واعٍ حول القيمة الإنسانية للحراك المجتمعي، والتقارب الثقافي والمعرفي، الذي سعت إليه دار سينما عقيل، في السركال آفنيو، بمدينة دبي، وصفته بثينة كاظم مؤسسة ومديرة دار سينما عقيل في حوارها لـ«الاتحاد» بأنه: سؤال جوهري يبحثون فيه بشكل دائم، كيف تعكس دار سينما مستقلة نفسها، باعتبارها مكاناً ومقراً للاحتفاء بالأسس الاجتماعية، وتسليط الضوء عليها، بأن يتجاوزوا فعل عرض الفيلم، إلى مستوى الارتقاء بالوعي الفكري، لا يكون فيها الجمهور متلقياً للغة السينمائية فقط، بل الركيزة في تكوين الحالة والهارموني للمكان ككل، ويُعتبر شهر رمضان للناس فرصة للتدبر، لذا جاء إطلاق المجلس الرمضاني «cinemajlis»، متضمناً باقة متنوعة من البرامج الثقافية والفنية، افُتتحت بفيلم «الشاعرة»، ومنصات تفاعلية تُناقش الفوتوغرافيا والسياحة الثقافية وأثر المشاريع المجتمعية.
توسيع خيار المساحات داخل دار سينما عقيل، لم يكن المتغير الرئيسي الوحيد، ولكنه تم الاشتغال على مرتكزات أخرى في تنظيم حدث «المجلس الرمضاني»، من بينها «الزمن»، عبرت عنه بثينة كاظم، قائلةً: «أردنا أن تكون الحركة بطيئة، وتتسم بالراحة، مُشكلةً فرصة لبناء الثقة بين المشاركين، وفتح أفق الحوار لمختلف الثقافات والجنسيات والأعراف، ومنه جاء التعاون مع (Project Chaiwala)، لوضع قائمة طعام، تناسب سفرة (الإفطار) بمكونات تقتضي قضاء وقت أطول لإحداث التفاعل، وصولاً إلى مشهد الاجتماع العائلي أمام الشاشة». وأضافت بثينة كاظم، أنه بالعودة إلى فكرة المجلس، وبالنظر إلى مقومات العيش في مدينة دبي، فإن هناك الكثير من الأشخاص، يعيشون من دون عائلاتهم، وخلق بيئة حميمية تمثل بيتاً بديلاً أو ملجأ لعقد اللقاءات، وتبادل الآراء الاجتماعية والدينية والثقافية والفنية، تساهم في إضفاء معنى إنساني يؤثر في حياة المقيمين بالمدينة، لا نكتفي بكونها تجربة إنسانية عابرة، ولكننا نمضي في تأصيل عفوية الحوار، بالوصول به إلى جزء من الممارسات المجتمعية المبنية على الود والثقة والتعارف الممتد نحو إنتاج أبعاد ثقافية مجتمعية نوعية.
سلسلة من المراحل، يعيشها جمهور «cinemajlis» في دار سينما عقيل، يربط بينهم جسر، بحسب تعبير بثينة كاظم، فالمرحلة الأولى تكمن في «الفطور»، والمرحلة الثانية مجموعة الأفلام النوعية ضمن البرنامج الرمضاني وهي: فيلم «نائلة والانتفاضة» للمخرجة جوليا باشا، وفيلم «الرحلة» للمخرج محمد الدراجي، وفيلم «ليل/ خارجي» للمخرج أحمد عبدالله السيد، وما يربط بينهما هو «المنصة التفاعلية»، التي يعرض فيها الأشخاص قصصهم وتجاربهم الحياتية. شهدت المنصة التفاعلية مشاركة لمجموعة «Blank Space»، التي تقدم ورشاً في مجال الشعر والإلقاء أمام الجمهور، إلى جانب مشاركات قادمة لموسيقى العود، معتبرة بثينة كاظم أنها ليست نمطاً ترفيهياً بحتاً، بل هي امتداد لهارموني الاستشعار بأجواء رمضان، يدعمها البعد التقني للجو العام في المكان، ويصاحبها نقاشات لمصورين فوتوغرافيين اشتغلوا على أعمالهم من خلال الأفكار والمعتقدات المتداولة في شهر رمضان، ويحتفي البرنامج بـ«تماشي»، وهو أحد المشاريع المهتمة بالسياحة الثقافية في السعودية، إضافة إلى دورها النوعي في إبراز فن القط أو النقش، وهو فن تراثي قديم ارتبط بمنطقة عسير جنوب السعودية، ومدرج ضمن قائمة التراث غير المادي في اليونسكو.
سبب اختيار فيلم «الشاعرة» للمخرجة الألمانية ستيفاني بروكهاوس، لافتتاح المجلس الرمضاني في دار سينما عقيل، سؤال أكدت حوله بثينة كاظم، بأنه فيلم تناول البعد التوثيقي للشاعرة السعودية حصّة هلال، من عُرفت عبر برنامج المسابقات الشعري الشهير «شاعر المليون»، ووصلت فيه إلى النهائيات، مثيراً ذلك جدلاً واسعاً حول جرأة الشاعرة، القائمة على أسس تؤمن بها السيدة حصة، والانطلاق بعرض الفيلم يأتي إيماناً بأن شهر رمضان مساحة للتفكر والتأمل للروحانيات، وكذلك معتقدات المجتمع الدفينة، وإعادة اكتشاف آثارها، أما فيلم «نائلة والانتفاضة» الذي سيعرض في تاريخ 15 مايو الحالي، فيصادف ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني، سارداً المشوار النضالي لـ«نائلة عايش» إحدى الأصوات القيادية في الانتفاضة، متضمناً برنامجاً مصاحباً لأفلام فلسطينية أرشيفية نادرة، وجلسات نقاشية لـ«Visualizing Palestine» وهم مجموعة تعتمد على البيانات لتعزيز سرد واقعي قائم على الحقوق للقضية الفلسطينيةـ الإسرائيلية.
في سياق بناء البرنامج في دار سينما عقيل، وقياس نسب التأثير والتشكل للمجموعات، أوضحت بثينة كاظم أنهم أسسوا منهجيتهم على رؤية الجمهور من خلال وضع استبيانات مسبقة، إضافة إلى محاولة خلق حالات مختلفة في طبيعة شكل البرنامج والتوقيت، ومراقبة تفاعل الجمهور معهما. ومن بين مؤشرات التأثير المهنية هو نسبة بيع التذاكر، الفترة الزمنية التي يقضيها الشخص في المجلس، متابعة مستوى الأريحية التي يسعون إلى إيصالها للزائر مع المكان، وهل انعكس ذلك على الناس بشكل واقعي وملموس، وجميعها تصب كما لفتت بثينة كاظم إلى مسألة إيصال روح دار سينما عقيل، في أنها منطقة مفتوحة غير مقيدة، تتيح للأشخاص أن يكونوا على طبيعتهم، عبر تشكيل هوية جامعة تستوعب الجميع، تؤدي بانتقالنا من المنطقة الخاصة (العائلة) إلى مساحة مشتركة عامة يعيش كل فرد فيها جزء من التجربة التشاركية للعائلة المجتمعية الأكبر، مبينةً بثنية كاظم، أنها تعلم مدى ارتباط الناس بخصوصية اللقاء في بيوتهم للإفطار الرمضاني، ولكنها تأمل فعلياً من قبلهم زيارة للمكان، وعيش التجربة الرمضانية عبر دار سينما عقيل.